فصل: فصل في لفظ آية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في لفظ آية:

الآية: وزنها فَعَلَة أصلها: أَيَيَة، فاستثقلوا التشديد في الآية فأبدلوا من الياء الأولى ألفًا لانفتاح ما قبلها.
والآية: الحُجّة والعلامة، وآية الرجل: شخصه، وخرج القول بآيتهم أي: جماعتهم.
وسميت آية القرآن بذلك؛ لأنها جماعة حروف.
وقيل: لأنها علامة لانقطاع الكلام الذي بعدها.
وقيل: لانها دالة على انقطاعها عن المخلوقين، وأنها ليست إلا من كلام الله تعالى.
قوله: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعِ قِبْلَتَهُمْ}.
{ما} تحتمل الوجهين أعني: كونها حجازية، أو تميمية: فعلى الأول يكون {أنت} مرفوعًا بها، و{بتابع} في محلّ نصب.
وعلى الثاني يكون مرفوعًا بالابتداء، و{بتابع} في محلّ رفع، وهذه الجملة معطوفة على جملة الشرط، وجوابه لا على الجواب وحده، إذ لا يحل محله؛ لأن نفس تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيدًا في نفي تبعيته قبلتهم، وهذه الجملة أبلغ في النفي من قوله: {مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} من وجوه:
أحدها: كونها اسمية متكررة فيها الاسم، مؤكد نفيها بالباء.
ووحّد القبلة وإن كانت مثناة: لأن لليهود قبلة، وللنصارى قبلة أخرى لأحد وجهين:
إما لاشتراكهما في البطلان صارا قبلة واحدة، وإما لأجل المقابلة في اللفظ؛ لأن قبله: {مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}.
وقرئ: {بِتَابِعٍ قِبْلَتِهِمْ} بالإضافة تخفيفًا؛ لأن اسم الفاعل المستكمل لشروط العمل يجوز فيه الوجهان.
واختلف في هذه الجملة: هل المراد بها النهي أي: لا تتبع قبلتهم، ومعناه: الدوام على ما أنت عليه؛ لأن معصوم من اتباع قبلتهم، أو الإخبار المَحْض بنفي الأتبّاع، والمعنى أن هذه القبلة لا تصير مَنْسوخة، أو قطع رجاء أهل الكتاب أن يعود إلى قبلتهم؟ قولان مشهوران.
قوله: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ}.
قال القفال: هذا يمكن حمله على الحال وعلى الاستقبال.
أما على الحال فمن وجوه:
الأول: أنهم ليسوا مجتمعين على قِبْلَةٍ واحدة حتى يمكن إرضاؤهم باتباعها.
الثاني: أن اليهود والنصارى مع اتفاقهم على تكذيبك متباينون في القبلة، فكيف يدعونك إلى ترك قبلتك، مع أنهم فيما بينهما مختلفون.
الثالث: أن هذا إبطال لقولهم: إنه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب؛ لأنه إذا جاز أن تختلف قبلتاهما للمصلحة جاز أن تكون المصلحة في ثالث.
وما حمل الآية على الاستقبال ففيه إشكال وهو أن قوله: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} ينفي أن يكون أحد منهم قد اتبع قبلة الآخر، لكن ذلك قد وقع فيفضي إلى الخلف، وجوابه أنا إن حملنا أهل الكتاب على علمائهم الذين كانوا في ذلك الزمان، فلم يثبت عندنا أن أحدًا منهم تبع قبلة الآخر، فالخلف غير لازم.
وإن حملناه على الكل قلنا: إنه عاّم دخله التخصيص.
قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: 120] كقوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ}.
وقوله: {إِنَّكَ} جواب القسم، وجواب الشرط محذوف كما تقدم في نظيره.
قال أبو حيان: لا يقال: إنه يكون جوابًا لهما لاتمناع ذلك لفظًا ومعنى.
أما المعنى فلأن الاقتضاء مختلف، فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه؛ لأن القَسَم إنما جيء به توكيدًا للجملة المقسم عليها، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملًا، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه، فتكون الجملة في موضع جزم، وعمل الشرط لقوة طلبه له.
وأام اللفظ فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم لم تحتج إلى مزيد رابط، فإذا كانت جواب شرط احتاجت إلى مزيد رابط وهو الفاء، ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها، فلذلك امتنع أن تكون جوابًا لهما معًا.

.فصل في الهوى:

الهوى المقصور: هو ما يميل إليه الطبع وقيل: هو شهوة نتجت عن شبهة، والممدود هو الجو.
قوله تعالى: {إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظالمين} أي إِنّك لو فعلت ذلك لكنت بمنزلة القوم في كفرهم، وظلمهم أنفسهم.
و{إذًا} حرف جواب وجزاء بنص سييبويه، وتنصب المضارع بثلاثة شروط:
أن تكون صدرًا، وألا يفصل بينها وبين الفعل بغير الظرف والقسم، وألا يكون الفعل حالًا، ودخلت هنا بين اسم إن وخبرها لتقرير النسبة بينهما وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر، فلم تتقدم، لأنه سبق قسم وشرط والجواب هو للقسم، فلو تقدمت لتوهّم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف، ولم تتأخر لئلا تفوت مناسبة الفواصل رءوس الآي.
قال أبو حيان: وتحرير معنى {إذًا} صعب اضطرب الناس في معناها، وفي فهم كلام سيبويه فيها، وهو أن معناها الجواب والجزاء.
قال: والذي تحصل فيها أنها لا تقع ابتداء كلام، بل لابد أن يسبقها كلام لفظًا أو تقديرًا، وما بعدها في اللفظ أو التقدير، وإن كان متسببًا عما قبلاه فهي في ذلك على وجهين:
أحدهما: أن تدلّ على إنشاء الارتباط والشرط، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها، مثال ذلك: أزورك فتقول: إذًا أزورك، فإنما تريد الآن أن تجعل فعله شرطًا لفعلك، وإنشاء السببية في ثاني حال من ضرورته أن يكون في الجواب، وبالفعلية في زمان مستقبل، وفي هذا الوجه تكون عاملة، ولعملها شروط مذكورة في النحو.
الوجه الثاني: أن تكون مؤكّدة لجواب ارتبط بمقدم، أو مبّهة على مسبب حصل في الحال، وهي في الحالين غير عاملة؛ لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عيله، وذلك، نحو: إن تأتني إِذًا آتك، ووالله إِذًا لأفعلن فلو أسقطت إِذًا لفهم الارتباط، ولما كانت في هذا الوجه غير معتمد عليها جاز دخولها على الجملة الاسمية الصريحة نحو: أزورك فتقول: إِذًا أنا أكرمك، وجاز توسطها نحو: أنا إِذًا أكرمك وتأخرها، وإذا تقرر هذا فجاءت إذًا في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم، وإنما قررت معناها هنا؛ لأنها كثيرة الدور في القرآن، فتحمل في كل موضع على ما يناسب من هذا الذي قررناه انتهى كلامه.
واعلم أنها إذا تقدمها عاطف جاز إعمالها وإهمالها، وهو الأكثر، وهي مركبة من همزة وذال ونون، وقد شبهت العرب نونها بتنوين المنصوب قلبوها في الوقف ألفًا، وكتبوها في الكتاب على ذلك، وهذا نهاية القول فيها.
وجاء في هذا المكان {مِنْ بِعْدِ مَا جَاءَكَ} وقال قبل هذا: {بَعْدَ الذي جَاءَكَ} [البقرة: 120] وفي الرعد: {بَعْدَ مَا جَاءَكَ} [الرعد: 37] فلم يأت ب {من} الجارة إلا هنا، واختص موضعًا ب {الذين}، وموضعين ب {ما}، فما الحكمة في ذلك؟
والجواب: ما ذكره بعضهم وهو أن الذي أخص وما أشد إبهامًا، فحيث أتي ب {الذي} أشير به إلى العلم بصحّة الدين الذي هو الإسلام المانع من ملّتي اليهود والنصارى، فكان اللفظ الأخص الأشهر أولى فيه؛ لأنه علم بكل أصول الدين، وحيث أتي بلفظ {ما} أشير به إلى العلم بركنين من أركان الدين، أحدهما: القبلة، والأخر: بعض الكتاب؛ لأنه أشار إلى قوله: {وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد: 36].
قال: وأما دخول: {من} ففائدته ظاهرة، وهي بيان أول الوقت الذي وجب عليه عليه السلام أن يخالف أهل الكتاب في قبلتهم، والذي يقال في هذا: إنه من باب التنوع من البلاغة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآيات (146– 147):

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم الخطاب بالإشارة بقوله: {أهواءهم} إلى علمهم بحقية هذا التحويل تلويحًا كما فتحه بالإعلام به تصريحًا كرّ على تأكيد الإعلام بما هم عليه في أمرها من التحقق إشارة إلى ما تبطنوه من العناد الموجب للتمادي في الفساد فقال مضمرًا له على وجه يصلح أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم معظمًا لهذه المعرفة بإسناد الإيتاء إليه سبحانه: {الذين آتيناهم} أي بما لنا من العظمة التي هم بها عارفون {الكتاب يعرفونه} أي التحويل المتضمن لزيادة تحققهم لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال علمهم به {كما يعرفون أبناءهم} لا يشكون في حقية ذلك بوجه لظهور دلائله عندهم، لأنهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع نعوته معرفة لا يشكون فيها لكونها عن الله الذي لا خلف في قوله، فبذلك صاروا يعرفون صحة هذا التحويل هذه المعرفة، وذلك كما أنهم لا يشكون في شيء مما تقع به المعرفة لأبنائهم لشدة ملابستهم لهم؛ والحاصل أن معرفتهم بنبوته تزيدهم في المعرفة بحقية التحويل بصيرة لأنه من نعته، ومعرفتهم بأمر التحويل يثبتهم في حقية نبوته لكونه مما ثبت منها، ولذلك قال الحرالي: في إنبائه تحققهم بعيان ما ذكر لهم من أمره، لأن العارف بالشيء هو الذي كان له به إدراك ظاهر بأدلة ثم أنكره لاشتباهه عليه ثم عرفه لتحقق ذكره لما تقدم من ظهوره في إدراكه، فلذلك معنى المعرفة لتعلقها بالحس وعيان القلب أتم من العلم المأخوذ عن علم بالفكر؛ وإنما لم تجز في أوصاف الحق لما في معناها من شرط النكرة، ولذلك يقال المعرفة حد بين علمين: علم على تشهد الأشياء ببواديها، وعلم دون يستدل على الأشياء بأعلامها؛ وفيه أي التشبيه بالأبناء إنباء باتصال معرفتهم به كيانًا كيانًا إلى ظهوره، ولو لم يكن شاهده عليهم إلا ارتحالهم من بلادهم من الشام إلى محل الشدائد من أرض الحجاز لارتقابه وانتظاره {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] وأجرى المثل بذكر الأبناء لاشتداد عناية الوالد بابنه لاعتلاقه بفؤاده، ففيه إنباء بشدة اعتلاقهم به قبل كونه {وإن فريقًا منهم} أي أهل الكتاب {ليكتمون الحق} أي يخفونه ولا يعلنونه.
ولما كان لا يلزم من ذلك علمهم به ولا يلزم من علمهم به استحضاره عند الكتمان قال: {وهم يعلمون} أي إنه حق وأنهم آثمون بكتمانه، فجعلهم أصنافًا: صنفًا عرفوه فاتبعوه، وصنفًا عرفوه فأنكروه كما في إفهامه وفريقًا علموه فكتموه؛ وفي تخصيص هذا الفريق بالعلم إشعار بفرقان ما بين حال من يعرف وحال من يعلم، فلذلك كانوا ثلاثة أصناف: عارف ثابت، وعارف منكر هو أردؤهم، وعالم كاتم لاحق به؛ وفي مثال يكتمون ويعلمون إشعار بتماديهم في العالم وتماديهم في الكتمان.
ولأن هذا المجموع يفيد قهر الحق للخلق بما شاء منهم من هدى وفتنة لتظهر فيها رحمته ونقمته وهو الحق الذي هو ماضي الحكم الذي جبلّة محمد صلى الله عليه وسلم تتقاضى التوقف فيه لما هو عليه من طلب الرحمة ولزوم حكم الوصية خاطبه الحق بقوله: {الحق} أي هذا التفريق والتصنيف الموجب لعمارات درجات الجنة وعمارات دركات النار هو الحق، أو يكون المعنى: الحق الذي أخبرت به في هذه السورة أو الآيات، أو جنس الحق كائن {من ربك} أي المحسن إليك بطرد من يضر اتباعه كما هو محسن إليك بالإقبال بمن ينفع اتباعه {فلا تكونن من الممترين} فيما فسر نحوه من اشتباه المرتبتين الواقعة منه فيما بين الفضل والعدل والواقعة من غيره فيما بين الجور والعدل. انتهى.
وفيه زيادة وتغيير، وفي تأكيد الأمر تارة بالعلم وتارة بالمعرفة وتارة بغيرهما تأكيد لوجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم وإزاحة لما يلقيه السفهاء العالمون به من الشبه.
قال الحرالي: والممتري من الامتراء وهو تكلف المرية وهي مجادلة تستخرج السوء من خبيئة المجادل، من امتراء ما في الضرع وهو استيصاله حلبًا، ولأنه حال الشاك ربما أطلق عليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {الذين ءاتيناهم الكتاب} وإن كان عامًا بحسب اللفظ لكنه مختص بالعلماء منهم، والدليل عليه أنه تعالى وصفهم بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، والجمع العظيم الذي علموا شيئًا استحال عليهم الاتفاق على كتمانه في العادة، ألا ترى أن واحدًا لو دخل البلد وسأل عن الجامع لم يجز أن لا يلقاه أحد إلا بالكذب والكتمان، بل إنما يجوز ذلك على الجمع القليل، والله أعلم. اهـ.
الضمير في قوله: {يَعْرِفُونَهُ} إلى ماذا يرجع؟
ذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: أنه عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يعرفونه معرفة جلية، يميزون بينه وبين غيره كما يعرفون أبناءهم، لا تشتبه عليهم وأبناء غيرهم.
عن عمر رضي الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بابني، قال: ولم؟
قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت.
فقبل عمر رأسه، وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام وعلى هذا القول أسئلة.
السؤال الأول: أنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله من أمر القبلة.
الجواب: أنه تعالى في الآية المتقدمة لما حذر أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن اتباع اليهود والنصارى بقوله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظالمين} [البقرة: 145] أخبر المؤمنين بحاله عليه الصلاة والسلام في هذه الآية فقال: اعلموا يا معشر المؤمنين أن علماء أهل الكتاب يعرفون محمدًا وما جاء به وصدقه ودعوته وقبلته لا يشكون فيه كما لا يشكون في أبنائهم.
السؤال الثاني: هذه الآية نظيرها قوله تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] وقال: {وَمُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسمه أَحْمَدُ} [الصف: 6].
سؤال: لم خص الأبناء الذكور؟
الجواب: لأن الذكور أعرف وأشهر وهم بصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق.
القول الثاني: الضمير في قوله: {يَعْرِفُونَهُ} راجع إلى أمر القبلة: أي علماء أهل الكتاب يعرفون أمر القبلة التي نقلت إليها كما يعرفون أبناءهم وهو قول ابن عباس وقتادة والربيع وابن زيد.
واعلم أن القول الأول أولى من وجوه:
أحدها: أن الضمير إنما يرجع إلى مذكور سابق، وأقرب المذكورات العلم في قوله: {مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} [البقرة: 145] والمراد من ذلك العلم: النبوة، فكأنه تعالى قال: إنهم يعرفون ذلك العلم كما يعرفون أبناءهم، وأما أمر القبلة فما تقدم ذكره البتة.
وثانيها: أن الله تعالى ما أخبر في القرآن أن أمر تحويل القبلة مذكور في التوراة والإنجيل، وأخبر فيه أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة والإنجيل، فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوة أولى.
وثالثها: أن المعجزات لا تدل أول دلالتها إلا على صدق محمد عليه السلام، فأما أمر القبلة فذلك إنما يثبت لأنه أحد ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوة أولى. اهـ.
وعلق الآلوسى على قصة عمر وابن سلام- رضى الله عنهما- فقال:
وما حكي عن عبد الله بن سلام أنه قال في شأنه صلى الله عليه وسلم: أنا أعلم به مني بابني، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: لِمَ؟ قال: لأني لست أشك بمحمد أنه نبي، فأما ولدي فلعل والدته خانت، فقبل عمر رضي الله تعالى عنه رأسه، فمعناه: أني لست أشك في نبوته عليه الصلاة والسلام بوجه، وأما ولدي فأشك في بنوته وإن لم أشك بشخصه، وهو المشبه به في الآية فلا يتوهم منه أن معرفة الأبناء لا تستحق أن يشبه بها لأنها دون المشبه للاحتمال، ولا يحتاج إلى القول بأنه يكفي في وجه الشبه كونه أشهر في المشبه به وإن لم يكن أقوى ومعرفة الأبناء أشهر من غيرها، ولا إلى تكلف أن المشبه به في الآية إضافة الأبناء إليهم مطلقًا سواء كانت حقة أو لا. وما ذكره ابن سلام كونه ابنًا له في الواقع. اهـ.